الخميس، 3 ديسمبر 2015

النظريات المفسرة لاسباب حدوث التوحد Theories of the causes of Autism

لا يزال   السبب الأساسى لإضطراب التوحد غير معروفا و غير واضح فبعض الدراسات أرجعته  لأسباب نفسية و اجتماعية  و العلاقة بين الوالدين و الطفل وما بينهما من تفاعل و هناك من أكد على الاسباب و الاحتمالات المتعلقة بالاعصاب ، كما أشارت دراسات الى وجود أسباب تتعلق بالجينات و ظروف الحمل و الولادة .( وليد السيد خليفة ، مراد على عيسى : 2007 ، 101)
ويعد التوحد من الالغاز المحيرة ، نظرا لتبايسن خصائصه لذا فقد ظهرت تفسيرات عديدة فى محاولة منها الى ىفهم هذا الاضطراب ، ولقد اجريت الكثير من الابحاث على اسباب التوحد ولكنها لم تقدم حتى يومنا هذا الا القليل من النتائج  و يوجد العديد من النظريات التى تفسر سبب حدوث سلوكيات التوحد لتشمل مختلف التوجهات فمنهم من يتمسك بالنظريات البيئية و آخرون يركزون على العوامل الوراثية و التكوينية و توجد وجهات نظر أخرى تتخذ موقفا وسطا فى هذا الصدد ( ابراهيم فرج : 2004 ، 109 )
 ومن  النظريات ايضا التى حاولت تفسبر اسباب حدوث التوحد فمنها نظريات نفسية و أخرى اجتماعية و ثالثة بيولوجية ، ويرجع هذا التعدد الى عدم التوصل حتى الآن الى سبب وحيد أو أكيد للإصابة بهذا الاضطراب و سوف تستعرض الباحثة هذه النظريات بشىء من النفصيل .
أولا : النظريات النفسية :
لقد تعددت النظريات النفسية  التى حاولت تفسبر التوحد فمنها  نظرية كانر Leo Kanner ( 1943 ) ، ونظرية الآباء المتبلدين أو الباردين ، ونظرية فصام الطفولة .
1 – تفسير كانر :
تعد النظريات النفسية من أول النظريات التى حاولت تفسير حدوث التوحد ويعد ليو كانر Leo Kanner ( 1943 ) هو صاحب أول نظرية نفسية تفسر حدوث التوحد حيث ترتكز نظريته على العلاقة بين الآباء و الطفل ، وعدم الاكتراث بالطفل و العزلة التى يجد نفسه فيها بعد انفصام علاقته مع امه فى مرحلة مبكرة من نموه هما السبب فى وجود المشكلات السلوكية و الاجتماعية لدى الطفل و بالتالى فإن الخلل فى هذه العلاقة يزود الطفل بمشاعر الغضب تجاه الأب أو الأم غير المستجيبة وجدانيا للطفل وهذا الانسحاب الاجتماعى للطفل ويصاب الطفل بالتوحد .
وقد حاول كانر تأكيد نظريته من خلال كتاباته التى اشار فيها الى أن جميع آباء الاطفال الذين تم تشخيصهم بأنهم مصابين بالتوحد من قبله كانو ذوى تحصيل عملى مرتفع ومع ذلك كانو غريبى ا؟لأطوار ، مفرطى الذكاء و الإدراك الذهنى ، صارمين ، منعزلين ، جديين ويكرسون أوقاتهم لأعمالهم أكثر من عائلاتهم . وبناء على ذلك يرى كانر أن إصابة الطفل بالتوحد ترجع ايضا الى وراثة الطفل لعاما بعد أو اتعزال آبائهم عن المجتمع بصورة مبالغ فيها أو ترجع للأساليب الغريبة التى يعتمد عليها هؤلاء الآباء أثناء تربية أطفالهم ، أو قد ترجع الى العاملين السابقين معا ( لورنا وينج : 1996, 63  Robert,et al 1992:524 / David,L. & Martin, E.1995 : 637 / Davis,2002:14  ).
2 – نظرية الآباء المتبلدين أو الباردين  Refrigerator Parents
 وضع برونو بتليهايم Bruno Betleheim  نظريته فى بداية الخمسينيات من القرن الماضى وقد امتد تأثيرها ما يقرب من عشر سنوات وقد أكد بيتلهايم نظرية كانر حيث أشارت نظريته الى ردود الأفعال التكيفية للرضع و الأطفال الصغار ما هى نتيجة للرفض و المشاعر السلبية من الآباء فالاطفال ينسحبون و يعزلون أنفسهم عن التفاعل الاجتماعى . ( ابراهيم الزريقات : 2004 ،109)
وقد أوضحت نظرية بتيلهايم أن الرسائل الوجدانية التى تصل الى الطفل من الآباء أو القائمين على رعايته هى رسائل تتسم بعدم الحب أو رسائل متناقضة  مرة تتسم بالحب و مرة أخرى بعدم الود الحب ولذلك فقد عولت هذه النظرية كثيرا على الدور الذى يلعبه اغلوالدين أو القائمين برعاية الطفل من خلال ما يتسمون به من عدم الحب للطفل أو برود انفعالى أو تبلد (Philip , 1995:548 )
3 – نظرية فصام الطفولة :
وضع هذه النظرية كل من سينجر وويمن  Singer & Wymmen  فى عام 1963 وقد أشارت هذه النظرية الى أن التوحد هو شكل من أشكال الفصام المبكر ( فصام الطفولة ) و الذى يمكن أن يتطور فيما بعد فى مرحلة المراهقة و يظهر أعراض الفصام كاملة فى هذه المرحلة . ووفقا لهذه النظرية فالطفل يوجد فى بيئة تتسم بالتفاعل الأسرى غير السوى فلا يشعر بالتكيف و التوافق النفسى الانفعالى مما يؤدى الى رغبة الطفل فى تحقيق التوازن النفسى الانفعالى و لكنه يفشل فى تحقيق ذلك ومع تكرار محاولاته و إخفاقه يصاب بالاحباط والإكتئاب النفسى و لذلك ينسحب انفعاليا من هذا التفاعل المنفر و من ثم يبدأ الطفل فى توجيه انتباهه الى ذاته لتحقيق التكيف النفسى الانفعالى مع ذاته و ليس مع الآخرين ثم يستغرق فى توجيه انتباهه الى احلامه نحو عالمه الداخلى الخاص به ، ومع نمو الطفل يظل منغلقا على ذاته فتظهر و تتطور لديه أعراض شبيهة بأعراض الفصام ( أعراض التوحد ) . كما أشارت دراسة بورد و كيربشان Burd & Kerbshan  الى حالة طفلة تعانى من التوحد عمرها 22 شهرا و يشير تاريخ الحالة الى قيام الوالدين برحلة تركت فيها الإبنة مع الجدة و أخذت تبكى لمدة 9 ساعات و تردد كلمات  "ماما ذهبت " حتى نامت و عندما استيقظت صباحا  ذهبت الى النافذة و كررت  "ماما ذهبت " و بعدها أصبحت هادئة و تتجنب التفاعل مع أعضاء الأسرة وفى اليوم التالى توقفت عن الكلام و بدأت أعراض التوحد الأخرى كالحملقة و اللعب بشكل غير مميز.( الهامى عبد العزيز : 1999 ، 39 )
وفى الوقت  المعاصر أيضا ظهرت بعض الدراسات التى حاولت المقارنة بين آباء الأطفال الأسوياء للوصول الى بعض الخصائص التى تميز آباء الاطفال التوحديين ومن هذه الدراسات Whellwright,S. & Simon: 2001) ) وقد أظهرت نتائج دراستهما  أن الاطفال التوحديين أكثر اهتماما بالرياضيات و العلوم و كذلك فهم أكثر تفوقا فيهما . Whellwright,S. & Simon: 2001))
كما أشارت دراسة قام بها ( Briskman et al :2001)  الى ان الاطفال التوحديين يتشابهون مع
آبائهم فى الاهتمامات وفى قلة الأنشطة الاجتماعية و كذلك فى التركيز على التفاصيل . ( Briskman et al :2001, 309 - 316)  
ومن الدراسات الحديثة ايضا التى ركزت على الاطفال التوحديين و آبائهم  كانت دراسة برونت (Braunt:2001) ولكن نتائج هذه البحثجاءت فى اتجاه معاكس بعض الشىء عن الدراسات السابقة فقد أشارت الى ان الطفل التوحدى هو الذى يؤثر فى الأم و ليس العكس فقد أشارت النتائج الى أن المشكلات السلوكية لدى الطفل التوحدى تؤثر على بعض الأمهات و تصيبهن بالقلق و الاكتئاب .  (Hastings & Brown : 2002 ,231)
و بالرغم من ظهور هذه النظريات النفسية المفسرة للتوحد و بالرغم من الدراسات الكثيرة التى أشارت الى العامل النفسى الانفعالى فى حدوث التوحد الا ان هذه النظريات تبقى دائما محل نقد ، حيث ترى لورنا وينج أن آراء الباحثين و النظريات المتعلقة بآباء الاطفال التوحديين كانت مرتكزة على الانطباعات الشخصية لهؤلاء الباحثين و التى تكون محرفة أو منحازة ، وفى السنوات الأخيرة أُجريت العديد من الدراسات التى استخدمت أساليب أكثر موضوعية للمقارنة بين مجموعات من آباء الاطفال التوحديين و آباء الاطفال المعاقين عقليا و آباء الاطفال الأسوياء . ( لورنا وينج : 1996، 64 )
كما يرى ديفيز  (Davis : 2002) أن التوحد يعد مشكلة نفسية فى حد ذاتها فلا نستطيع أن نرجع اسباب التوحد الى التنشئة الوالدية أو الفقر البيئى ولكن هى مشكلة قد ترجع  بشكل أساسى الى  أسباب بيولوجية أو عصبية أخرى غير التنشئة و العوامل النفسية . Davis,2002:14)  ).
ثانيا : النظريات الاجتماعية : Social Theories:
يرى رواد هذه النظريات أنه يمكن النظر الى التوحد باعتباره اضطراب فى التواصل الاجتماعى حيث أن المهارات اللغوية و الادراكية للأطفال التوحديين كانت طبيعية فى البداية و نتيجة لظروف التنشئة الاجتماعية ينتج عنها انسحاب الطفل من التفاعل الاجتماعى مع الوسط المحيط به ، و انغلاقه على ذاته لإحساسه بعدم التكيف كما بينت أيضا أن التوحديين لديهم إعاقات عضوية تعوق عملية التواصل مع الآخرين بصورة طبيعية كما اوضحت تلك النظرة الاجتماعية أن ميول و اتجاه آباء  و أمهات الاطفال التوحديين تلعب دورا أساسيا فى اعاقة ميكانزم التواصل مع هؤلاء الاطفال ، كما أن ظروف التنشئة الاجتماعية التى تتسم بالعواطف الجافة و نقص التواصل اللفظى بين الابوين و الطفل تعد من العناصر الاساسية المسببة للتوحد وخاصة فى مرحلة الطفولة المبكرة التى تتكون فيها شخصية الطفل حيث انها تؤدى الى انسحاب الطفل من التفاعل مع العالم الخارجى و انغلاقه على ذاته ، كما قدم نموذج إجتماعى لتفسير التوحد كما يلى :   

  شكل رقم (2) يبين نموذج اجتماعى لتفسير التوحد .
و أشارت لورنا وينج Wing , L.  الى أن القصور الاساسى فى التوحد هو قصور اجتماعى ، وهذا القصور الاجتماعى يظهر فى ثلاث مجالاات مختلفة أإطلقت عليها اسم أوجه القصور الثلاثية للتفاعل الاجتماعى ( هدى أمين : 1999 ، 65)
و من عرض الآراء و النظريات المفسرة لحدوث التوحد يبدو أن التشابه و التداخل كبير بين هذه النظريات الاجتماعية  و النظريات النفسية و بالتالى فما ينطبق على النظريات النفسية من نقد ينطبق ايضا على النظريات الاجتماعية .

ثالثا : النظريات البيولوجية :
حيث أن نظريات الاسباب النفسية لم تجسد لنا دليل يفسر الاصابة بالتوحد و لأن العديد من الاطفال التوحديين يظهرون مشكلات نفسية مختلفة فإن ذلك يلفت الانتباه مباشرة الى الايباب و العوامل البيولوجية للإصابة بالتوحد ( David , L. & Martin , E. 1995:638)
ويرى روبرت وز آخرون Robert , et al, 1992)) الأدلة فى الوقت الحاضر ترجح كفة الأسباب الفسيولوجية الجسدية ( و المسماه أيضا بالعضوية) للإصابة بالتوحد وما يتبعه من اضطرابات . Robert , et al, 1992 : 524))
ويشير( ابراهيم شكرى : 1999 ) الى ان الابحاث لم تصل حتى الآن الى السبب المباشر للتوحد و لكن يعتقد انه نتيجة لاضطراب غير معروف فى وظائف المخ و البعض يقترح وجود اضطرابات فى المواد الناقلة للنبضات العصبية مثل السيروتونين Serotonin أو وجود عيوب تشريحية فى جزء من المخ ، وقد أثبتت الأبحاث وجود عامل خطورة للإصابة بالتوحد منها مضاعفات ما حول الولادة ، الاضطرابات الجينية و الوراثية ، إصابة الأم بالحصبة الالمانية أثناء فترة الحمل ، عيوب التمثيل الغذائى و الالتهابات الميكروبية .(ابراهيم شكرى : 1999 ، 68)
و تشير بعض الادلة العلمية لدراسات أجريت على أسر اطفال توحديين أو معاقين عقليا أن التوحد المرتبط فقط باعاقة عقلية يزيد أو ربما يكون له أساس جينى .( ابراهيم الزريقات : 2004 ، 112)و تشير لورنا وينج الى ان النظريات البيولوجية و البحث العلمى القائم حول العوامل العضوية أو البيولوجية يتم حاليا على ثلاث مستويات مختلفة و متداخلة فى نفس الوقت وهى :
المستوى الأول : يتعلق بالأسباب  الرئيسية لأمراض المخ المحتملة .
المستوى الثانى : يهتم بكيف و أين تؤثر تلك المسببات الرئيسية على المخ فهل يؤثر العامل الوراثى ، أو الإصابة قبل أو أثناء أو بعد الولادة أو المرض فى المخ بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ربما عبر نوع من الخلل فى كيميائية الجسم ، و أى جزء من الاجزاء المتعلقة بتركيبة أو بوظيفة المخ يفترض أن يصاب بالتلف أو بالإعاقة خلال عملية النمو ليتسنى المجال لظهور السلوك التوحدى ؟
المستوى الثالث : يتعلق بطبيعة الوظائف االنفسية التى تعرضت للعطب أو للإضطراب نتيجة الخلل الوظيفى للمخ .( لورنا وينج : 1996، 65)
1 – المستوى الأول : الأسباب الرئيسية لأمراض المخ المحتملة :
         ترى (Maurica ,C.:1996) أن هذا الاضطراب اضطراب بيولوجى فى نمو المخ Biological Disorder of Brain Development  وليس اضطراب انفعالى Emotional Disorder  ناتج عن سلوك الآباء أو الخلل الأسرى . ولكن ما هى الاسباب التى جعلت نمو المخ غير الطبيعى غير معروفة حتى الآن ؟
قد تكون الاجابة أن اضطراب التوحد حتى الآن لا يظهر بشكل أكيد فى الأشعة المقطعية للمخ أو أى اختبارات طبية أخرى.(Maurice,C.1996,2 )
ولكن رغم ذلك يرى بعض الباحثين أمثال ديفيد و مارتن Dived , L. & Martin,E) ) و (Philip : 1995) أنه قد امكن التعرف على بعض المسببات لهذا الاضطراب التى وجدت لدى نسبة الثلث تقريبا من الاطفال التوحديين و من بين هذه المسببات نجد الالتهاب الدماغى Encephalitis  فى السنوات الاولى من العمر ، و إصابة الأم من العمر ، و إصابة الأم بالحصبة الألمانية Rubella  خلال فترة الحمل و حالة فينيل كيتونوريا Phenyl ketanuria(pku) وهى عبارة عن اضطراب حيوى كيميائى يعالج بواسطة نظام غذائى خاص اذا شخص مبكرا فى مرحلة الطفولة ، و التصلب الدرنى للأنسجة العضوية Tuberose Sclerosis ( وهى حالة وراثية تسبب رقعا غير طبيعية فى المخ و فى الجلد ) و التشنج الطفولى اللا ارادى Infantile Spasms  ( وهو شكل نادر و حاد من الصرع ينشأ فى السنة الأولى من العمر ) و كذلك نجد اضطراب التوحد قد يكون مرتبط باضطرابات مثل الصرع Epilepsy  وكذلك قد يكون مرتبط بالصعوبات الشديدة خلال الولادة بما فى ذلك من نقص الاوكسجين أثناء الولادة Anoxia at Birth  كما ترجع اصابة الاطفال المولودين بصعوبات بصرية حادة و بتلف دماغى باضطراب التوحد . وحديثا اكتشف ان اعاقة كروموزوم x الهش "Fragile X" توجد لدى بعض الاطفال التوحديين . Dived , L. & Martin,E :638- Philip : 1995:549 ) )
ومن الدراسات التى اشارت الى الاسباب البيولوجية و الوراثية لدى اطفال التوحد دراسة Golstein & Rutter:1988)) التى درسا فيها (21) زوج من التوائم من نفس الجنس و قد أظهرت نتائج البحثأن حوالى 36% من إخوة الاطفال التوحديين كانت تنطبق عليهم محكات تشخيص التوحد . وقد وجد ذلك فى 82% من التوائم المتطابقة ذوى البويضة الواحدة أو المتماثلة و 10 % فقط فى التوائم غير المتطابقة أو غير المتماثلة ذوى البويضتين . وقد أشار ( Rubenstin et al : 1990)  إلى أن معدل حدوث التوحد بين التوائم ذوى البويضة الواحدة  Monozygotic يكون أعلى من التوائم ذوى البويضتين Dizygotic  وأعلى من معدل الحدوث  بين اخوة الأطفال التوحديين . Philip : 1995,550 ) )
و فى أمريكا وُجد أن نسبة الانتشار بين الاطفال الذين وُلدوا لأخوة يعانون من التوحد تصل الى 4,5% بينما ينتشر التوحد فى المجتمع الأمريكى عامة بنسبة أقل لامن ذلك بكثير ( 10: 20) حالة لكل (10000) عشرة آلاف مواطن  وبذلك يتضح من الاحصاءات التحليلية لهذه البحثان انتشار التوحد بين أطفال وُلدوا لإخوة توحديين يزيد (210) ضعفا عن انتشاره بين أطفال المجتمع العام .
(Howlin:1998,39)
2- المستوى الثانى : تأثير المسببات الرئيسية على المخ :
يشير (Philip :1995)  الى ان الأماكن التى تكون مصابة ولاديا أى منذ الولادة Prenatal Damag  و التى تعطل النمو و تجعله مضطربا قد تكون دليلا على اضطراب الجهاز العصبى المركزى و ظهور علامات الاضطراب العصبية و قد وجد (Gree Dowson et al:1998) نشاطا زائدا فى نصف الكرة الايسر وهى المنطقة الهامة للتواصل لدى الاطفال التوحديين . و أشار Ornitze : 1989)) الى أن الدراسات المختلفة أظهرت علامات غير طبيعية على رسام المخ الكهربائى (EEG)  فى أكثر من 50 : 80 % من المصابين بالتوحد Philip : 1995,550 ) )و قد أشارت بعض الدراسات فى نهايات القرن العشؤين الى ان البحث عن عيوب مُحددة كسبب للشذوذ العصبى لدى الطفل التوحدى قد أدى الى بعض الافتراضات و منها أن التكوين المعقد فى جذع الدماغ  Brain Stem للطفل التوحدى ربما يفشل فى التزويد بدرجة إثارة مناسبة .
وهناك فرضية أخرى وهى أن مواقع التلف فى القشرة الدماغية Cerebral Cortex  الطبقة الأكثر بُعدا من الدماغ قد تكون هى المسئولة عن الإختلال الوظيفى و الإدراكى . ( ابراهيم الزريقات : 2004 ، 115)
و أشار ( Edelson :1998) الى وجود برهان على أن الفيروس  Virus يُمكن أن يسبب حدوث التوحد حيث يتزايد حدوث التوحد بعد تعرض الأم للإصابة بالحصبة خلال الثلاث شهور الأولى من الحمل . و أيضا فيروس السيتوميجالو Cytomegalo Virus (CMV) ( الفيروس الذى يضخم الخلية ) يرتبط بالتوحد و فى دراسة قام بها Modahl et al( 1998) للتعرف على نسبة الهرمون (OT) Oxytocin فى الدم و من خلال مقارنة (29) طفل توحدى مقابل (30) طفل طبيعى وكشفت النتائج  أن نسبة (OT) فى عينة التوحديين أكثر من عينة الاطفال الطبيعين . وهناك دراسة أُخرى قام بها Nagamitus et aql (1997) للتعرف على مستوى البيتا أندروفين Beta Endrophins ( مواد تشبه الأفيونات و تفرز داخليا فى الجسد ) فى سائل النخاع الشوكى لدى التوحديين و آخرين يعانون من زملة ريت Rett  و عينة ثالثة من الاطفال الطبيعين وقد وجد أن المستوى كان أعلى من مجموعة الاطفال المصابين بزملة رت Rett
(الهامى عبد العزيز : 1999 ، 41-43)
وقد وجدت دراسات عديدة مثل دراسة كوبشر و آخرون Cobascher et al(1970)  زيادة فى مضاعفات الولادة أو ما قبل الولادة لدى مجموعة الاطفال التوحديين أكثر من المجموعات الأخرى .(Fred , V. 1999,133)
وفى بعض الدراسات استخدم رسام المخ الكهربائى ، وعلم التشريح العصبى و كشفت هذه الدراسات عن التهابات غير طبيعية لدى بعض الاطفال التوحديين . كما أشارت النتائج الى نقص نمو خلايا الدماغ و زيادة كثافة الخلايا المجمعة ، كما كشفت عن اضطرابات فى عمليات الأيض النتعلقة بالسيروتونين و الكتكولامين . و بالرغم من أن النتائج لم تكن مؤكدة ، الا انه حديثا وجدت دراسات الرسم السطحى بأشعة X) ) ارتفاع نسب الجلوكوز فى مناطق المخ المنتشرة لدى بعض التوحديين . (Benneto & Rogors,1996:312)
وقد وجد Volkmar & Nelson (1990)  تاريخ لنوبات صرعية لدى 21% من عينة الاطفال التوحديين و التى كان عددهم 192 طفلا توحديا . فى حين أشار Carod et al (1995) الى أن 47% من الاطفال التوحديين ظهر لديهم  بعض أنواع الصرع . كما وجد Steffen burg et al (1996)  لدى عينة مكونة من الاطفال المعاقين عقليا والمصابين بالصرع و هم فى سن المدرسة أن 21% منهم كانوا توحديين . Fred , V. 1999:135))
3- المستوى الثالث : طبيعة الوظائف النفسية التى تعرضت للعطب أو الإضطراب :
إن اكثر مستوى شغل اهتمام البحث العلمى فهو طبيعة الوظائف النفسية التى تعرضت للعطب أو الإضطراب نتيجة للخلل الوظيفى للمخ . وقد وجد أن الاطفال لا يستطيعون مواكبة الأحداث المترابطة  فى البيئة حولهم لأنهم يكونوا دائما فى حالة مستمرة من الهياج و التوتر .
( حركة و هياج مفرطين ) و لكن لم يتم إثبات هذا الافتراض بعد و يبدو واضحا أن الخلل فى فهم و استخدام اللغة هما مظهران جوهريان للتوحد و ما يرتبط بها من أعراض مصاحبة .( لورنا وينج ، 1996: 66)
التعقيب على النظريات البيولوجية :
لا يمكن الجزم بما جاءت به النظريات البيولوجية فى تفسيرها لأسباب حدوث التوحد حيث أن هناك العديد من الدراسات التى  أشارت الى عكس ما جاءت به النظريات المرجحة للأسباب البيولوجية كسبب للإصابة بالتوحد .
فقد استنتج Sanua  أنه لا توجد آثار واضحة للعوامل الوراثية فى التوحد و لكنه مع ذلك أشار الى وجود عوامل مؤثرة أو إصابة عن طريق الإشعاع أو حالات أخرى خلال الإرتقاء بعد الولادة من الممكن أن يكون لها دور فى حدوث التوحد . وفى دراسة أخرى قامت بها جامعة لوس أنجلوس فى عام 1988 بولاية كاليفورنيا تم إجراء البحثالمسحية على عينة بولاية يوتا و كانت العينة من (207) أسرة و قد أظهرت النتائج أن من بين هذا العدد من الأسر توجد (20) أسرة ، (9,7) لدى كل منها طفل توحدى . بينما ينتشر  التوحد فى المجتمع الأمريكى بنسب أقل من ذلك بكثير .(Howlin,1998:39)
التعقيب على النظريات المفسرة لأسباب حدوث التوحد بشكل عام :
بعد العرض السابق للأسباب و للبحوث التى استهدفت التعرف على العوامل المسببة لإعاقة التوحد ، تجدر الإشارة الى أن هناك مئات من البحوث التى أُجريت فى محاولات المختصين للوصول الى معرفة العوامل المسببة و مع ذلك لا زال هناك الكثير الذى يتطلب الأمر معرفته للوصول الى تحديد أكثر دقة للعامل أو العوامل المسببة للتوحد ولذلك فحتى الآن لا يوجد جزم بما هو السبب الحقيقى أو الأسباب الحقيقية لحدوث التوحد .
فما زالت الأبحاث جارية حول ما إذا كان إضطراب التوحد يحدث أثناء فترة الحمل أو أثناء عملية الولادة أو لها علاقة بالعوامل البيئية مثل العدوى الفيروسية أو عدم توازن التمثيل الغذائى أو التعرض للمواد الكيميائية فى البيئة .

هناك تعليقان (2):